يؤرق شبح "الهجرة الطوعية"، القوى السياسية الفلسطينية في لبنان، حيث بدأت المخيمات تفرغ تدريجيا من أبنائها بعدما ارتفعت وتيرتها وبطرق شبه قانونية ومنظمة مؤخرا. انه "التوطين الناعم" أو "الوجه البشع" لليأس والاحباط الذي يدفع باللاجئين الى الرحيل طمعا بحياة كريمة ومستقبل افضل، النتيجة في نهاية المطاف واحدة: محاولة شطب حق العودة ورمزية المخيمات باعتبارها مساحة للنضال الوطني، تماهيا مع صفقة "القرن الاميركية".
في هذا السياق، أكدت مصادر فلسطينية متابعة لـ"النشرة"، أن عدة عوامل تضافرت ومنذ سنوات للوصول الى تشجيع الهجرة، بل تحويلها الى مطلب انساني، التهميش الذي عاشه اللاجئون داخل المخيمات بعد اتفاق "اوسلو"، الضائقة الاقتصاديّة والمعيشيّة، الفقر والبطالة، تقليص خدمات وكالة "الاونروا"، استمرار حرمانهم من الحقوق المدنيّة والاجتماعية والمشاكل الامنيّة منذ بدء الحرب السورية، كل هذه الامور ولّدت حالة من اليأس والاحباط لم تعرفها المخيمات من قبل، وفتحت الباب على اي حلول رغبة بالعيش بكرامة وحرية بعيدا ن الجوع والموت على ابواب المستشفيات.
واوضحت المصادر، ان ثلاث مسارات تتكامل لتحقيق هذا الهدف الخطير:
اولا-الدول التي وافقت على قبول طلبات اللجوء، وقد بدأت المانيا بذلك ابّان الحرب السوريّة حيث استقبلت الاف اللاجئين من مخيّمات سوريا ولبنان، ثم بلجيكا التي فتحت ابوابها امام ابناء المخيمات الفلسطينية في لبنان واليوم تحذو استراليا حذوها، وتستعد كندا لذلك في المستقبل القريب، الامر الذي يطرح تساؤلات كثيرة عمّا اذا كان هناك من "خطة" منظّمة متدحرجة بدعم اميركي–اسرائيلي اوروبي، للتخلّص من عبء اللجوء في دول الشتات وتحديدا لبنان وتذويبهم عبر الهجرة الطوعيّة وعلى مراحل زمنية متفاوتة، ترتفع وتيرتها وتخبو وفق تطورات الواقع في المخيّمات، وابرزها الاحداث الامنيّة والاشتباكات التي حصلت في بعضها وتصوير الأمر وكأنه الخلاص من الموت والعذاب.
ثانيا-مسار الطرق المتّبعة للوصول الى هذه الدول، التي لم تتجرأ حتى اليوم على فعل ذلك علنا وبطريقة منظّمة ورسمية، ما افسح المجال امام التجار والسماسرة للقيام بذلك طمعا بجني الأرباح الطائلة دون النظر الى النتيجة، فاعتمدت طريق التهريب عبر سوريا، ثم تركيا، ثم عن طريق صحراء ليبيا وركوب
البحر، ثم عن طريق روسيا، وصولا اليوم عبر احدى الشركات التي اطلقت خدماتها في استقبال طلبات اللاجئين الفلسطينيين الراغبين قي الهجرة إلى أوروبا وأستراليا، مقابل مبالغ مالية وصلت الى 8500 دولار عن الشخص الواحد، للتوجّه الى بلجيكا ثم الى إلى أستراليا، حيث ينتظرهم ممثل عن مكتب شؤون الهجرة. ما يشير الى انها ليست عملية تهريب، بل خطة متكاملة، برعاية دوليّة كما يبدو.
ثالثا-مسار التوطين وهو الأخير، لمن بقي في لبنان بعد تقليص العدد عبر "الهجرة الطوعية" الى حدها الاقصى، هذا المسار لا يمكن أن يحدث إلاّ بعد استنزاف الفلسطينيين بالتهجير والأحداث الأمنية، أما الذين سيستهدفهم التوطين فهم نحو 50 ألف فلسطيني، بحيث لا يشكّلون عاملا في تغيير المعادلة الديمغرافية والطائفية والمذهبيّة، وخاصة بعد الاحصاء الفلسطيني اللبناني عام 2017، الذي حدّد أن عدد اللاجئين في لبنان لا يتجاوز 174422 فقط، وليس نحو 550 الف وفق إحصائيات وكالة "الاونروا".
واعتبرت المصادر، ان الخطير هو بعدم وجود اي خطة فلسطينية ولبنانية، "منفردة" أو "ثنائية" لمواجهة هذه الهجرة الطوعيّة، مع غياب الارقام الدقيقة لعدد الذين غادروا من المخيمات، وسط تقدير بعض الأوساط الشعبية بانها لا تقل عن أربعة الآف خلال العام الجاري فقط، موزعة بين مخيمات عين الحلوة، البداوي، و"نهر البارد" و"برج البراجنة"، حيث الكثافة السكانيّة، فيما الخوف الأكبر أن يدفع لبنان ثمنًا باهظا بفرض التوطين لمن يبقى منهم خاصة مع الاهتمام الاميركي بمتابعة ادق التفاصيل الامنية في المخيمات، حيث سجل ثلاثة زيارات لوفود اميركيّة رفيعة المستوى الى عين الحلوة وحده مقابل تسديد ديونه العامة.
خلاصة القول، إن خطة التهجير والتوطين والوطن البديل، تستهدف "دول الطوق" الثلاثة، الأردن ويجري استيعاب اللاجئين الفلسطينيين داخل المجتمع الأردني وصولا الى تحقيق الوطن البديل، وفي سوريا بعد تفريغ مخيم اليرموك وتدميره خلال الأزمة السوريّة وهجرة ابنائه إلى أوروبا، وفي لبنان حيث تجري قضيّة التهجير اليوم بهدوء وبرعاية دولية تحضيرا للتوطين...